السبت، 3 مايو 2014

الفئة القليلة





ما أسهل النقد ولعن الظلام ولكن من الصعب جدا أن تجد بصيص أمل وسط هذا الظلام، إلا لفئة قليلة، دائما هم على مر تاريخ البشرية فئة قليلة  تضئ وسط هذا الظلام, لأنها مربوطة بحبل من الله, هذه القلة تفرح بأنها الفئة القليلة التي وعدها الله بنصر من عنده، عندما هاجر رسول الله صل الله عليه وسلم، وكان معه ابوبكر الصديق، لعب العنكبوت دورا هاما ..وان اوهن البيوت بيت العنكبوت. وعندما أنجى الله سبحانه وتعالى نبيه موسى كانت الأداة عصا لراعى غنم .
ما استنتجته من هذه الأدوات الضعيفة أن القوة لله وحدة .. الأمل وسط ظلام الشر الذي ينشر ظلاله على المسلمين .. وعد الله أن الأرض يرثها عباده الصالحين .. هذه في الدنيا .. وفي الآخرة هم ورثة جنة النعيم لذا تجد هذه الفئة دائما فرحة ..
ففي الغار قال رسولنا الكريم ، صل الله عليه وسلم، لا تحزن أن الله معنا، وقال نبي الله موسى،  كلا إن ربي سيهدني، في يوم الخندق قالوا هذا ما وعدنا الله، وفي الآخرة يفرح المؤمنون.
إن لذة الفرح مربوطة بالصبر ، وقليل هم الصابرون. وأيضا الصابرون موصلون بحبل الله والصبر هي القيمة التي تربط كل هذه الأشياء، فالعبادة تحتاج لصبر والجهاد يحتاج لصبر وعمارة الأرض تحتاج لصبر ... مجاهدة الشيطان محتاج لصبر ... لذا بشر رب العزة والجلال الصابرون بوفاء الأجر يوم الدين.

 الصابرون هم الذين يجدون دائما بصيص أمل في هذا الظلام الدامس,  والأعجب أن هذه الصور تتبدل في يوم الدين.!! فالظلام الدامس لأهل النار .. ولا أمل لهم . والجنة مشرقة بنور ربها تعالت قدرته  والجزع لأهل النار والطمأنينة لأهل الجنة ، فلا احتمال للنار ولا صبر عليها  وفرح الفئة القليلة ، فرح أصيل في الدنيا والآخرة  وأهل النار لهو ولعب في الحياة الدنيا والنار جزاء لقد حرموا الصبر في الدنيا فتبعوا ملذاتها والوعد الكاذب من الشيطان وحرموا أيضا من الصبر في الآخرة, فما أصبرهم على النار.
  وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء {إبراهيم:42-43}

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الحزن القديم


الحزن القديم
قصة قصيرة
د. عبدالرحمن حسان

كان لقاءاً في مكتبة عامة أمام الكاونتر ، ترك لها فرصة كتابة اسمها بعدها تقدم لكتابة اسمه، خرج لفترة استراحة لشرب كاسة شاي ، لمحها تخرج من المكتبة متجهة نحو البوفيه، وكانت النظرة الثانية، جلست قباله في البوفيه، كان لكاسة الشاي هذه المرة مذاق خاص، تمنى أن الكاسة كانت أكبر مقاساً وأكثر سخونة، ارتفعت درجة حرارته وتصبب عرقاً، تكرر مشهد الخروج من المكتبة في كل مرة يزور فيها المكتبة ، وكان هو من الزائرين الدائمين للمكتبة، أما هي فكانت تأتي في أوقات متباعدة، صارت التحية لازمة عند كل لقاء ولكن في هذه المرة طلب كاسة شاي أخرى لها لأنها كانت تقف بجواره في البوفيه وجلسا سويا، ولكن في هذه المرة لم يشعر بأنه ظل ممسكاً بالكاسة ولم يأخذ منها رشفة بالرغم من مرور زمن طويل على جلوسهما، كانت تعرف اسمه من دفتر المكتبة وهو كذلك، رجعا سوياً إلي المكتبة بعد حديث عام لم يفهم من حديثها شيئاً فقد كان يسمع لدقات قلبه الذي يطرق أذنه بشدة كأنه يريد الخروج من القفص الصدري، وعندما جلست في مقعدها ظل واقفاً ولكنه أدرك بعدة فترة طويلة أنه لم يجلس وكان وقوفه لافتاً فجلس، وفي اليوم التالي حجزت له المقعد الذي بجوارها لأنه حضر متأخراً بعض الشيء، صار يتحدث معها عن كل الأشياء إلا عن شعوره المتزايد نحوها، كأنه أصبح لا يحتاج عن الحديث عن قلبه فقد أصبح مفضوحاً أمام الجميع بأنهما لا يفترقان أبدا، كانت الملاحظة همساً ,لكن في ذلك اليوم شديد الحرارة كانت الملاحظة من صديقه جهراً وأمامها وبصوت يسمعه الاثنان، ابتسمت لملاحظة صديقه ولكنه توارى خجلاً من تعليق صديقه، وكشف نقطة ضعفه أمام أصدقائه وهو ذلك القائد بينهم والمبادر وصاحب الكلمة، وفي صبيحة اليوم التالي حضرا إلي المكتبة في وقت واحد تقدمت لتسجيل اسمها في دفتر المكتبة كان اسم والدها مطابقا لاسمه فكتبت في الدفتر اسمها مضاف إليه اسمه واسم والده ، لاحظ ذلك من ارتباكها ابتسم لها وكانت علامة فارقه ذلك الحدث ..، فقد تأكد انه وهي يحملان نفس المشاعر، كانت أفعالهم تؤكد ذلك من ود وتقدير وحماية من جانبه وكان يرافقها حتى موقف المواصلات، وذات يوم ركب معها الحافلة ووصل معها إلي بيتها وتعرف إلي شقيقها الذي يقوم مقام والدها، كان يعبر عن مشاعره عملياً، وكان يخطط لحياته وسار عليها وفق ما رسمها وألان صارت هي جزء من الخطط فهي مازالت طالبه في المرحلة الثانوية وهو في أولى مراحله الجامعية، وبالرغم ذلك كان يعمل ليلاً لتوفير مصاريف الجامعة وكان يوفر جزء منها وعندما تسأله يقول لها سوف أكمل دراستي العليا لحين انتهائك من المرحلة الجامعية، وبعدها نبدأ في تأسيس عشنا كانت أحلامهما بسيطة في مقابل طموحهما العلمي الكبير ، فكان يرى فيها النجابة وترى فيه ذكاء لا يحده حدود، ولكنها تفوقه في سعة الصدر وذات عاطفة جياشة تجاه الآخرين وتحب مساعدتهم كما تفوقه رقة وإحساساً
وكان للقدر تصاريفه، وقع حادث بسيط، كان يمكن أن يمر بسلام ولكن اختيار الألفاظ والتوقيت غير المناسب، غيرت مجرى الأحداث تماماً، ظنها سحابة صيف ولكنها كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد كانت ترى من عيوبه الإصرار على صواب رأيه، والانفعال الشديد، وكان يرى من عيوبه انه شديد الغيرة، وانه يريد أن تسير الأمور حسب ما هو مخطط له حيث كان يرى أن الحياة غير المخططة هي نوع من العبث، وكان يهتم بالانضباط حد الوله، أما صديقة الكاتب الكبير والمعروف، كان يرى فيه الجدية الشديدة التي تفقده روح الانسجام مع الآخرين، وكان يقول له: إن آفتك الجدية في كل شيء.
لم يكترث لكل هذه الملاحظات من جانبها أو من صديقه ولكنه كان مشغولاً ببحثه وحصوله على الماجستير، وانشغل عنها بأبحاثه وتركها تتخذ أخطر قرار بدون الرجوع إليه ومناقشته، وكان قرارها أن تبتعد عنه ما استطاعت، وسمع خبر زواجها وهو يعد نفسه للمناقشة، كانت فاجعة، فقد سمع الخبر من أحد القادمين من السودان، كان عليه أن يعيد التوازن لنفسه التي تبعثرت، وأن يهتم بترتيب ذاته التي انهدم شق منها ووجد نفسه مكشوفاً في مواجهة برد الوحدة وقسوة الأيام.
...
بعد الانتهاء من المناقشة، جلس في محراب التأمل أياما وليالي، خرج منها بفوائد كثيرة، أهمها لملمة شتات ذاته، فقد حسمت البنية أمرها بزواجها، هذا أراحه كثيراً فقد قفل باب المتاوقة عبر هذا الباب، ولكن ما ظل يؤرقه إصلاح نفسه وتصالحه مع ذاته، اتجه إلي العمل الاجتماعي، وتحقيق مبتغاه في إصدار كتابه الأول والثاني، والتسجيل للدكتوراة، أما هي فقد انقطعت أخبارها عنه، وسار كل واحد منهما في طريقه يحقق طموحه ويشبع ذاته النهمة بالحياة، وهكذا سارت الأمور.
وبعد أكثر من ثلاثين عاماً، كان مشاركاً في مؤتمر دولي، وعند استلامه برنامج المؤتمر والأوراق المقدمة وذلك بعد وصوله إلي مكان المؤتمر، لاحظ اسمها مسبوقا بلقب دكتور، ومشاركة بورقة في اليوم الثاني من المؤتمر، كانت الورقة المشارك بها هو في المؤتمر في الجلسة الأولى،بحث عنها فلم يجدها بين الحضور في الجلسة الافتتاحية ، ولكن عندما جلس يقدم ورقته، لاحظ أن هنالك سيدة مسنة، ظلت واقفة لفترة، وبعدها جلست، وبعد انتهاء تقديمه للورقة، اقتربت منه تلك المرأة ، ونادته باسمه ، التفت إليها، فقد لاحظ أن هذا الوجه ليس غريباً عليه، دار شريط سريع أمام عينه وتذكرها، كانت هي بعد أن تكاثرت عليها الأيام والسنون فتركت آثارها على وجهها، ابتسمت فتأكد أنها هي من ابتسامتها، فالشيء الوحيد الذي لم تستطيع الأيام تغييرها كانت ابتسامتها، قالت .. تصور !، لم أعرفك بالرغم من علمي بوجودك في هذا المؤتمر، ومحاولة بحثي عنك وتفرسي للوجوه، ولكني فشلت فقد تغيرت كثيراً وغادرتك فتوة الشباب ورسم الزمن على وجهك تعابير جديدة ضاعت معها تلك الصرامة وانفرج ثغرك عن ابتسامته كنت ألحظها فيك في ساعات نادرة، لقد تغيرت كثيراً ... زمن .. سبحان مغير الأحوال سبحان الله الذي لا يتغير.
كانت لحظة يعجز أن يعبر عنها كاتب أو مصور سينمائي ومن الصعب أن يجسده ممثل بارع، كانت لحظة فريدة امتزج فيها مشاعر كثيرة وشريط ذكريات وصور متعددة متداخلة بعضها ببعض، لم يجد مخرجا من هذا الموقف الرهيب إلا أن يأخذها إلى أقرب مقعد، وجلس ببطء شديد فإنه يشكو من النقرس، جلست قباله تنظر إليه لمدة بدون كلام، وبعدها أطلقت تنهيدة عميقة، ثم قالت إنني محضرة نفسي للقاء كهذا منذ أن استلمت أوراق المؤتمر وعلمت بمشاركتك فيها، وعجزت أن أتعرف عليك بالرغم من حرصي الشديد، وها أنت أمامي وأجندتي بها الشيء الكثير، فدعنا نغير من هذه الجلسة لمكان آخر وليكون في البوفيه شريطة أن تكون ضيفي اليوم وأريد أن أدفع أنا وأعزمك عشاء في مطعم أعرفه، فعليك شطب كل الارتباطات اليوم فأنا أعرفك، قد خططت لكل دقيقة في هذا اليوم ولكن دعني أغير هذا المخطط اليوم وأحس بأنني غيرت يوماً شيئاً فيك.

كانت ابتسامة الرضى تعلن الموافقة، وقام بإرسال رسائل التأجيل لكل اللقاءات بل قفل جهاز هاتفه وقال نعم حاضر يا دكتور، قالت له بطل رسميات ونادي باسمي حاف أو قول يا حبوبة وسوف أناديك يا جدو، ضحكا من القلب ضحكة زال معها تعب الأيام.

دلفا إلي الطاولة الوحيدة الفارغة وكانت في أقصى القاعة، كأنه أمر مرتب للقاء كهذا يحمل الكثير الكثير، جلست بهدوء شديد، وجلس هو بعد تعب شديد في المفاصل، خلعت نظارتها، فوجد في عيونها تعب الأيام والسنين ولكنهما مازالا بألقهما القديم، لم تتكلم لمدة فطلب النادل ليقدم لهما شيئاً وقال لها مداعباً هذا الطلب ضمن فاتورة العزومة أم خارجها، ضحكت وقالت على حسابي اطلب ما تريد ، طلب عصيراً طازجاً من الأنناس وطلبت عصيراً من المانجو، أدار شريطا من الذكريات وفقد الإحساس بالزمن، ولكنه انتبه فجأة فوجدها تنظر إليه، وين سرحت؟؟ قال لها في ذلك الزمن الصافي كما الحليب، عندما كنت أخطو أولى خطواتي خارج محيط الأسرة والأهل، وأحضر إلى العاصمة ، في ذلك اليوم الجميل الذي تعرفت فيه بك، في ذلك الصفاء الذي لا يكدره شيء.

قالت ولكنك لم تحسن إدارة تلك اللحظات الجميلة، فقد أفسدتها بخططك وقسوتك، كما أنك لم تحسن أن تعاملني، لقد أفسدت كل الأشياء الجميلة رغم أنها كانت في الإمكان أن تكون أجمل مما هي عليها، قال لها لقد كنت يافعاً وقليل الخبرة، وحديث عهد بالمدينة، كما أنك كنت أول فتاة استطاعت أن تعطر قلبي بنسمات الفرح، ومن شدة حرصي حاولت أن أشم عبير الفرح لوحدى، ومن هنا كانت آفة الغيرة، كما أن طبيعتي تختلف عن بيئة المدينة التي تنتمين إليها، كما إنني لم أكن وحدي الذي يفتقد الخبرة، فقد كنت يافعة لم تخوضي التجارب بعد، كما لا ننسى بأننا نريد والله يفعل ما يريد.
قال لها لقد فرحت كثيراً بلقبك العلمي فإنني كنت على يقين بها وبقدراتك التي تفوق الوصف، فرحت لأنك لم تضيعي الطريق، وفرحت لأنك نجحت في حياتك الأسرية.
قال لها كيف لا أفرح لسعادتك وسعادتك كانت مبتغاي، قالت لقد كنت أمني نفسي أن ألتقيك لأفرغ شحنة الغضب التي حملتها كل هذه السنين ولكن بعد أن جلست معك ووجدت فيك هذا التغير الكبير، زال كل الغضب وعفوت عنك ، ولكن لابد أن أكمل الجزء الثاني من الأجندة وهي أن اشكر لك ما تعلمته منك، فقد حولت كل ملاحظاتك إلي إيجابيات، فقد استفدت كثيراً من تجربتي معك.

قال لها إن الإبداع الحقيقي هو تحويلك كل السلبيات إلي ايجابيات، ولا يتأتى ذلك إلا من ذاتك، فالتغير الذي حدث لكلينا هي من دواخلنا من القوة الكامنة فينا، لذا منحك الله زوجاً رائعاً يكفيه أنه شريكك في كل هذه النجاحات التي تحققت على كل المستويات.
قالت لقد عرفت من إحدى قريباتي كانت تنقل أخبارك بأنك بعد عودتك ارتبطت بفتاة من الجامعة كانت في الصفوف الأولى، هل تزوجت بها؟ قال نعم لقد تزوجت بها وهي التي قامت بكل هذه التغيرات التي ترينها فيني، كانت تبتسم عندما أغضب وتستغفر الله، وذات يوماً سألتها لماذا تكثرين من الاستغفار عندما أغضب ، فقالت إنني أطرد الشيطان وعندما يخنث الشيطان في داخلي أبتسم، عندها خجلت من نفسي وعضضت عليها بالنواجذ، وهنا يمكن سر التغير الكبير وتصالحي مع الذات.

قالت: لقد كنت عقلانيا وكنت أنا عاطفية، ولكن بعد مرور كل هذه السنين وجدتك أكثر حكمة وعقلانية لقد صهرتك الأيام وبان معدنك النقي ومازلت تحفظ الود وعزاؤك للأسرة في فقد والدتي كان له أثر كبير فلقد علمت ذلك من شقيقي وتركك رسالة شفوية لي ولأخواتي أثلج صدري وأزاح من صدري الشيء الكثير، ولقاؤك اليوم أسطره في دفتر أيامي بأنه من أجمل اللحظات وأسعدها، وسأرسم وردة كما كنت أفعل سابق عهدنا وسأدعو الله لك بالصحة والعافية وطول العمر وان يديم الود بيننا.
سرحت قليلاً ثم قالت إن حياتنا نرسمها بأفعالنا، وإن التحكم في الأفعال يقود إلي حياة سعيدة حتماً، هذا ما تعلمته في هذه الجلسة اليوم، فكل يوم يولد الإنسان من جديد، عندما يتعلم من تجاربه والحكيم من يتعلم من تجارب الآخرين.
قال لها ولكن دفعت ثمناً غالياً عندما تعلمت من تجاربي، فالتعلم من التجربة الشخصية قاسية لأنك تفقد أشياء ثمينة لتستوعب الأشياء، وبالرغم من ذلك يكون عزاؤك أنك استفدت من التجربة والخاسر الحقيقي من يكرر تجاربه.
ضحكت ثم قالت قرأت ما كتبت في ذلك الزمن فقد كنت تكتب بوجع شديد، وكل قصائدك كانت بكائية، وأعجب أنني لا أجد في هذا الجيل أحاسيسكم النبيلة تلك.
قال لها إيقاع الزمن تغير في هذا الجيل، فقد كنا ندوزن الألحان على أنغام الطبيعة وعلى سجيتنا التي لم تخالطها المدنية، وكان كما الحليب صافياً لم يخالطه ماء.
سألته هل اخترت عنوناً لمجموعتك القصصية ... قال نعم ...  الحزن القديم .. نظرت إليه بحزن ... قال لها إن جرح القلب النازف لا يبرأ إلا بعفو من تحب عنك، وعفوك عني أجمل هدية أتلقاها اليوم.

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

حماتي وحش كاسر!

د. عبد الرحمن حسان

حماتي وحش كاسر، هكذا تصورها الحكايات القديمة، والخوف غير المبرر من الأزواج، لماذا؟! سؤال حيرني! فتجربتي مع حماتي لم تكن كافية للإجابة عن هذا السؤال، فحماتي لم أجد لها أنيابا، فقلت: ربما هي حالة خاصة، فظللت أراقب من حولي من الأصدقاء، علني أجد إجابة شافية، ولكن ظروف الغربة حالت دون تحقيق مرادي بصورة كافية. 
 ولكنني بعد صبر طويل، وجدت ضالتي في مراقبة لصيقة ومن داخل أسوار الحماة، بل من جوف حصنها الحصين، من غرفة العمليات، فكنت أراقب أدق التفاصيل. 
مغامرة مشوقة من غير شك لكثير من الأزواج، أن يقتحم أحدهم عرين الأسد، ويأتي بإجابات شافية لكثير من الأسئلة والتساؤلات التي تحيط بشخصية الحماة. 
ولكن في الحقيقة التشويق الأكبر كان من جانبي أنا، لأنها متعة حقيقة، أن تكتشف جانبا آخر لرفيقة دربك بعد سنين العشرة الطويلة، وهي تقوم بدور الحماة، وتقارن بمدى التطور الذي حدث في هذه الشخصية التي أحدثت ضجة في حياة الرجل، ونالت من الشهرة التي فاقت كثيرا من الشخصيات الشريرة في الحكايات والروايات القديمة. 
ولا أدري هل التطور الذي حدث في شخصية الحماة يرجع إلى الوعي الكبير الذي حدث  للمجتمع، أم لظاهرة العنوسة التي ضربت العالم بأسره، فخصمت من قوة الحماة وأفقدتها بعضا من أسلحة دمارها الشامل. 
بعض أصدقائي يرجعون أمر التطور الإيجابي في شخصية الحماة إلى التطور التقني الذي أفقد الحماة دورها الريادي في تنشئة البنت، وأضعف قدرتها عن التحكم بها لمشاركة القنوات الفضائية والفيس بوك وغيرها في تربية الفتاة المعاصرة، ويؤرخ أحد أصدقائي لكتاب أبلة نظيرة في فنون الطبخ بأنه كان نقطة البداية لفقدان الحماة بعض سيطرتها على البنات. 
نعود لغرفة العمليات الخاصة بالحماة، لننقل لكم الجزء الأهم من الكشف عن التساؤلات، في الحقيقة وجدت أن الأفلام المصرية ـ الله يجازيها ـ شوهت الحماة بصورة كبيرة، فهي إنسانة عادية جدا تعتريها المخاوف مثلها مثل أجدع رجل في الدنيا على قول إخواننا المصريين. وخوفها الزائد على ابنتها هو الذي يدفعها لتقديم النصح، وهنا تكمن عقدة المشكلة، لأن بعض الحموات يخرجن عن النص لعدم  معرفتهن بالعلم الشرعي وطرق التربية الصحيحة! 
إن الحماة المفترى عليها باب من أبواب الجنة لزوجتي ورفيقة دربي،  أسعد أن قيض الله لزوجتي طريقا لبرها و رد بعض جميلها. 
  إن الحماة المفترى عليها جدة لأبنائي التي تغمرهم بالحب والحنان، كما إن وجودها في البيت لتبرها زوجتي أمام أبنائي هو أعظم بيان عملي يتعلم منه الأبناء، كيف يكون البر بالآباء؟ فالأبناء الذين تعلموا كيف يبرون والديهم قطعاً سيكونون نواة لمجتمع صالح!

الأحد، 10 يونيو 2012

فلسفة القبح والجمال



الجمال يقابله القبح، وكما الجمال أمر نسبي فان القبح كذلك أمر نسبي، وموقف الإنسان من القبح والجمال يرجع إلي ذاته، فالعين التي تنظر إلي الجزء الفارغ من الكأس ليست كالتي تنظر إلى الجزء الممتلئ منه، ولا يوجد شر مطلق كما أنه لا يوجد خير مطلق.

 فإذا قلنا إن أنكر الأصوات لصوت الحمير، ففتش عن الفائدة من هذه النكارة، فبالقياس لها عرفنا جمال الأصوات، وإذا قلنا إن الموت مخيف ومؤلم لكننا نجده معبرا إلي حياة أبدية ولولاه لما وصلنا إليها.

 إننا لا نعرف معني الفضيلة عموماً إلا إذا عرفنا القبيحين الإفراط والتفريط، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والعطاء وسط بين البخل والتبذير، وإذا نظرنا إلي الطبيعة نجد إننا نعرف الضوء وفي عدمه يكون الظلام ورغم حاجتنا للضوء ولكن أيضا نحتاج إلي الظلام لننعم بالراحة والسكون.

كل الطعام الذي نأكله يتحول إلي قلوي أو حامض وذلك بنسب معينة في جسم الإنسان ، فإذا غلب احدهما على الآخر اعتلت صحته، فلذلك مطلوب من الإنسان التوسط في المأكل والمشرب للمحافظة على توازن المعادلة بين القلوي والحامض.

 والمؤمن حاله التوسط في كل الأمور فقد ذكر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أن التوسط من سنته ومن رغب عن سنته فليس منه ووصفنا الله تعالى في كتابه بأننا امة وسط قال تعالى : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "

إن كل هذه التناقضات بين القبح والجمال حولنا فيها الخير للإنسان... إلا شيء واحد لا نحتاجه في هذا التضاد والاختلاف، بل أن الله سبحانه وتعالى حرمه على نفسه وحرمه على عباده لأنه قبح مطلق .... إنه الظلم! وأمر بما يقابله من جمال مطلق ألا وهو العدل.
وهذا التوسط الذي يحيط بنا في كل شيء، يقودنا إلي العدل في الأحكام والمعاملات، وهنا يكمن جمال الإنسان!!

الجمعة، 30 مارس 2012

الحكمة نوبية



د. عبد الرحمن حسان


الحضارة النوبية حضارة إنسانية عريقة ساهمت بقدر فاعل في الحضارة الإنسانية، وللسوداني النوبي حضور مميز في الثقافة السودانية، فهو السفير الشعبي الأول للسودانيين في بلاد المهجر وقد اختط للسودان مساحة مميزة امتازت بالصدق والأمانة والشرف وحسن الخلق.
والحديث عن القامات النوبية يطول، ولكننا نقف اليوم أمام قامة تربعت على مساحة واسعة في مجال الكتابة الصحفية، واختارت لنفسها درباً وعراً لا يجاريه فيها إلا من ملك ناصية اللغة،  وبرع في تطويعها؛ ليملك قلوب أحبائه بهذا الضرب من الأدب الرفيع، و فارس هذا المضمار الفريد من الكتابة الصحفية هو جعفر عباس ( أبو الجعافر) الذي استطاع من خلال كتاباته الساخرة أن يفرض نفسه على الساحة الأدبية ويؤثر في قلوب قرائه ومعجبيه.
نعم، تستريح مع مقالات أبي الجعافر من هجير يومك بزاويتيه الرشيقتين حادة كانت أم منفرجة كثغره الباسم دوماً في وجه من يلقاه أو يقرأ مقاله، فتنفرج أساريره من رشاقة عباراته وامتلاكه بمهارة فائقة لناصية اللغة على أن اللغة العربية لم تكن اللغة الأولي التي نطق بها وتعلمها ــ كما يحدث هو عن نفسه ــ  إلا أنه يبهرك بحرفيته في تطويع اللغة بالرغم من الجدية التي تسيطر على طرحه في أغلب الأحيان.
جعفر عباس معلم من الطراز الأول، أثرت فيه هذه المهنة في حياته كلها فهو الصادق في كل حرف يكتبه، وكيف لا يصدق وهو معلم الأجيال الذي حمل على عاتقه أمانة العلم قبل أمانة الكلمة و حمل في قلبه حب الخير للناس، فحري به أن ينير الطريق للناس بكتاباته ويقول الحق مهما كانت الظروف، لذا تميز جعفر عباس صحفياً وحق له أن يكون مسؤولاً عن جودة العمل الإعلامي من خلال موقعه المتميز الذي يتبوأه وهو إدارة الجودة بقناة الجزيرة.
لقد ظهرت الحكمة النوبية في فكر جعفر عباس، فكتب ساخراً ولكنه لم يجرح يوماً أحداً أو يحط من قدر أحد، و تفرد بالحكمة وحسن الخلق كأسلافه من النوبيين الأوائل في بلاد المهجر الذين اختطوا للسودانيين دروب الأمانة وصدق الكلمة.
فشكراً لأبي الجعافر لهذه المساحات الشاسعة التي زرعها بحب الناس ليكون مثالاً يحتذى به في العمل الصحفي، نسأل الله أن يجعلها خالصةً في ميزان حسناته.

الاثنين، 12 مارس 2012

مساحات الفرح



مساحات الفرح كثيرة لدى الإنسان ، فهي أكبر المساحات المتاحة لديه، وأقل كلفة، ولا أقول إن مساحة الفرح هي فرصة للإنسان، ولكنها دوماً موجودة في داخله وستظل في داخله.
الابتسامة أصغر مساحات الفرح الموجودة فينا وأقلها كلفة، فقط أن تكون مبتسماً في وجه الآخر، ولكن العائد منها أكبر بكثير عما بذلته من جهد، فهي تحرك اثنتين وثلاثين عضلة في وجه الآخر، وترفع من نبضات قلبه، وتثلج صدره، وينداح الفرح منه للاخرين، بحساب بسيط، فإن الإنسان العادي يستطيع أن يتفاعل مع عشرة أشخاص على الأقل يومياً، بالتالي تستطيع ابتسامتك، أن تحرك العشرة الآخرين حول هذا الإنسان، فكم من عضلة تحركت من ابتسامة!
مساحات الفرح مساحات رائعة يمكن أن تلونها بألوان قوس قزح، فقط أمسك الفرشاة ولون، وأخرج كل الفرح بداخلك، عندها ستكون في مواجهة مع ذاتك، مع الحقيقة الداخلية لروحك، ستكتشف أن لك روحاً كالعصفور ، ينتقل من فنن إلى فنن، وأن لك أشياء جميلة بداخلك خرجت لتغرد للعالم.
كما لونت مساحات الفرح، كذلك تستطيع أن تجعل المساحات ناطقة بكلمات رائعة، وللكلمات سحرها، وشخصيتها المميزة، فكلما اخترنا الكلمات الرشيقة الجميلة كانت المساحات رائعة، وأيضا للكلمات عطرها فاختر من الكلمات ذات العطر الفواح لتنثر الفرح حولك وحول الآخرين، ولتكون لمساحات الفرح ألوانها وكلماتها المعطرة.
كثيرون استطاعوا أن يلونوا مساحاتهم بألوان زاهية وكلمات معطرة فواحة فملكوا قلوب الآخرين ومن حولهم، إنهم المتفردون منا بحب الناس.
الإنسان هذا المخلوق العجيب، .. جسد .. وروح .. وعقل.!
والروح مستودع الفرح، فيه كل الأشياء الجميلة في الإنسان، قد تكون روحك ظلامية وقد تكون نورانية!! فماذا تريد أن تكون... أن يغلب الظلمة أم تكون نوراً مشعاً. تلك هي خلاصة الحياة!!!
إن للروح أفراحا، وتفرح الروح من أشياء بسيطة وهينة، فلقد قال شاعرنا إدريس جماع: هين يستخفه بسمة طفل.
فالروح بسيطة وهينة حيال الفرح، كما لها من القوة ما يجعل شاعرنا يقول: قوياً يصارع الاجيال، نعم، فالروح تتحمل الأهوال في مبتغى الآمال والطموح.
واحدة من نفحات الله سبحانه وتعالى للروح، الأمل.
فهى الزاد الحقيقي للروح، وعليه يحيى الروح في مساحات الفرح، وبها يعطر المساحات الشاسعة.
مساحة الفرح التي يكتشفها الإنسان في دواخله، دائماً ما تكون في ساعات الصفاء مع النفس، فيكتشف الإنسان بأنه يملك مساحات كبيرة من الفرح حوله ولكنه مقصر في حقها، لم يعطها حقها من الاهتمام.
تكتشف أنك تملك زوجة رائعة، وتكتشف أنك تملك صديقاً لن تجد مثله في هذا الزمن المتسارع، وتكتشف أن لك أبناء رائعين، كل هذه الأشياء كانت موجودة ولكنك فقط لم تنتبه إليها.
فقط تحتاج للانتباه لكل تفاصيل الأشياء حولك، لتكتشف أنك وسط مساحة رائعة من الجمال.
الفرح القادم من الآخرين له طعم خاص، ويكون طعم الفرح من الأقربين أحلي، وذا نكهة رائعة، كلمة من زوجة تملك الأفراح في دواخلها، من ابن يفرح يفرح قلبك بره ، في أخ يحمل بين جنبيه فرح يسع الجميع، في جار تراه فرحاً.
لم أسمع بأن الفرح يباع ويشترى، ولكنني أؤكد بأن قيمة الفرح لاتقدر بثمن.

الخميس، 23 فبراير 2012

الحبوبة


امرأة من الزمن الجميل، على راحتيها ولدت، وكانت أنفاسها أول ما شممت من عطور الدنيا، نعم؛ كان ذلك منذ أكثر من خمسين عاماً مضت، ومازالت أنفاسها في ذاكرتي تعبق المكان حولي، ومازالت دعواتها بأصدائها المنداحة في داخلي ترن، كأنها تغريدة بلبل حين يتردد صداها فيملأ المكان أنساً وحبوراً وفرحاً.
لقد تسلل حبها إلى قلبي كما النسمة الرقيقة التي تدخل بلا استئذان، و تربعت وحدها على عرش قلبي، فأنارت دواخلي بقناديل البشر وعطرت روحي برياحين الفرح.
إنها جدتي المترعة بالجمال، بل كان يخيل لي أن الجمال ينساب من بين إصبعيها ليكسو من حولها حللاً وألوانا زاهية، كأن قوس قزح استعار ألوانه من بريق عينيها، وكأن براءة نظرتها غسلت نفوس من حولها ليكون لهم نصيب من الصفاء والنقاء في دواخلهم.
جدتي المترعة بالحب، بل إن الحب حين تذكره فكأنك تعني جدتي! ولا عجب، فقد غمرتني بحلل الحب قبل أن يغطيني رداء، وأحاطتني بالدفء في أجواء البرودة والجفاء، وعندما شببت عن الطوق ورأيت العالم من حولي، كان السؤال الذي أتطلع إلى معرفته وفك طلاسمه، كيف يكون لامرأة كل هذا الكم الهائل من الحب والجمال في دواخلها. 
كنا إذا جن المساء لا تستقر قلوبنا في مكان، من لهفة الشوق لحكاياتها المثيرة التي ننتظرها بفارغ الصبر، فكانت تحكي لنا قصصا محفزة و مفرحة، ومؤلمة ومبكية وكان صوتها ممتلئا شجنا وألما، وفرحا وأملا في آن واحد؛ وكنا ننهل من معينها الرائق العذب قصص المروءة و البطولة، ولم نكن نعلم حينها أن مرشدتنا كانت تغرس فينا بصدق اللهجة معاني الإيمان، وتزرع فينا بمهارة الحكماء دروس الصبر واليقين، وترسم على لوحات صدورنا ببراعة الفنان قيم الحب والجمال.
          الغريب أننا لم ندرك وقتها أن معلمتنا الأولى لم تحُز على أي من الشهادات العالية ولا حتى غير العالية، بل إنني اندهشت حقا حينما علمت أن جدتي لم تكن تعرف ما القراءة والكتابة، لكنها كانت بنظري كأفضل أستاذ جامعي، بما تتمتع به من اتزان عجيب ورصيد وافر من القيم والحكم والقصص والأمثال و بعض آيات من كتاب الله وبعض أحاديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم كانت بسيطة؛ لكنها كانت رائعة في بساطتها! 
جدتي الحبوبة، نناديها في السودان (حبوبة) ربما لأنها تحب الكل بلا فرق بين أحد أو لأنها محبوبة الكل، لذلك كانت تستحوذ على كل التوقير والإجلال، فوالدي كان يحني رأسه لها ولا يرفع صوته أمامها، لذا كنا نحس بهيبتها ونحتمي بها عندما يداهمنا الخوف أو نتعرض للعقاب، فمن غير الحبوبة يتفهم ضعفنا ويبرر كبوتنا ويدافع عن أخطائنا.
كنا نفتقدها إذا لم نجدها فنفتقد معها الطمأنينة والأنس والفرح، لم أحزن يوما في حياتي قدر حزني على يوم استيقظت فيه من نومي، فإذا بمن يقول: ماتت الحبوبة!!! 
 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | cheap international voip calls | تعريب وتطوير : مدونة سامكو