الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

الرسالة الثانية إلى بنيتي الغالية

الرسالة الثانية إلى بنيتي الغالية
 

بنيتي الغالية: في الرسالة السابقة،  كتبت لكِ وأنتِ وردة لم تتفتح بعد، تنتقلين من المرحلة المتوسطة إلى الثانوية وحدثتكِ عن كيفية التعامل مع زميلاتك في تلك المرحلة الخطيرة، وبعد أن تخطيتِها بنجاح و وصلت إلى المرحلة الجامعية، وقد رأيت فيك رجاحة العقل والالتزام بالدين والخلق القويم، شرعتُ في أن أخط لك الرسالة الثانية.
بنيتي الغالية: لقد تغير الزمان حولنا بصورة مخيفة، وتعددت مصادر التوجيه وتشكيل الوعي، بعد أن كانت حكاية الأب والأم والجد والجدة لنا هي مصدرنا الرئيس الذي نتلقى منه القيم الأخلاقية العالية و البرنامج الترفيهي المحبب لنا في ذلك الزمن الجميل، وقد ساهمت بشكل كبير في تشكيل وعينا منذ الصغر، كما أن التربية لم تكن مسؤولية الأبوين والجدين وحدهم، بل كان الحي و القرية الذين يشكلون جسماً واحداً ولحمة متماسكة، كلهم يساهمون في عملية التربية والتشكيل، فالبيوت كانت مفتوحة والقلوب كانت مشرعة لتقبل النصح والتوجيه من الكبار الذين كنا نكن لهم كل الحب والتقدير.
وبعد أن انتقلنا إلي المدينة وصارت الأبواب مغلقة عن الدخلاء، والعيون متوجسة من الغرباء، وتطفلت القنوات الفضائية والإنترنت على حياتنا، وأضحت تشاركنا تربية الأبناء وتشكيل وعيهم، صعب الأمر علينا جدا، وإذا بنا في واقع جديد، ومعقد كل التعقيد، فإحصائيات الشرطة تسجل أغرب الجرائم الوافدة عبر الفضائيات المنتشرة، والتي نخرت في مجتمعنا، بل في أجسامنا وعقولنا، حتى تعودنا عليها وألفناها وأصبحت جزءا من واقعنا، وانطلق الغزو الفكري من خلال تلك القنوات كالعاصفة يعربد بكل ما حولنا وكان أول هدف له هو شبابنا وريحانتنا!!
في هذا الزمن الصعب كنت بنيتي العزيزة، تتخطين إلي مرحلة جديدة من حياتك وتواجهين مجتمع الجامعة، وهو مجتمع أكثر اتساعاً وتختلطين فيه بفتيات من جنسيات مختلفة ومن بقاع شتى، وأضحت الجامعات كذلك مرتعا خصبا للأفكار الغريبة والدعوات الدخيلة، التي كان مطلبها الأول أن تخلعي ما جبلت عليه من تربية وخلق سليم، وأن تتخلي عن مكارم الأخلاق والدين القويم.
إنهم يريدون باسم التحضر والتمدن، أن يتمكنوا منك فيسقطوا كل يوم قطعة من ثيابك وليس فقط ثيابك، بل حيائك وقيمك وأخلاقك حتى تصيري مسخا بدون هوية، وأنت تعلمين بنيتي بأن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد نصح فقال في الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله (9/133): قال: حدثنا يحيى عن عبيد الله قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" وأخرجه مسلم (2/1086).
بنيتي الغالية: تمسكي بدينك في زمن الفتن، وعضي عليه بالنواجذ، واحذري من التقليد الأعمى والانقياد خلف كل ناعق و كلي أمل فيكِ وقد وعيتِ ما هو مطلوب منك في هذه المرحلة، ولكنكِ لستِ مطالبة فقط بالنجاة بنفسك، وإنما مسؤوليتك تتعدى نفسك، وتشمل الآخرين ممن حولكِ من فتيات المسلمين.
أعلم أن المسؤولية كبيرة عليك، ولكنني على يقين بأنك قد تسلحت خلال المراحل المختلفة من التعليم بدروس مفيدة نافعة، وشهادات الداعية الصغيرة التي تزين جدران منزلنا تؤكد ذلك، وقد آن لداعيتنا التي كانت صغيرة وارتادت الجامعة أن تكون داعية بالخير بإذن الله. 
أسأل الله أن يوفقك وبنات المسلمين لما فيه صلاح مجتمعنا المسلم.

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

الرسالة الأولى إلى بنيتي الغالية

الرسالة الأولى إلى بنيتي الغالية
 

قبل أربعة عشر عاماً حملتك بين يدي لأول مرة، عندما قدمتك الممرضة إليّ في المستشفى، فضممتك إلي صدري بفرح غامر، فأنت نعمة الله وعطيته، وبعد الحمد والثناء على الواهب العطاء، قمت بالتأذين في أذنيك؛ ليكون اسم الله أول ما ينفذ إلى سمعك و قلبك، ثم الدعاء لكِ وقرأت بعض الآيات للرقية،  فلقد تغلغل حبك إلى فؤادي، فسررت غاية السرور بمقدمك وامتلأت فرحاً، فوزعت الهدايا على الممرضات والعاملات بالمستشفي، و آليت على نفسي، أن أحافظ على عطية الله وأن أسعي لتقديم القدوة الحسنة، وأبذل كل ما في وسعى لتربيتك على التربية الإسلامية الصحيحة، وأن أقدم لك النصح والإرشاد، وحاولت قدر جهدي أن أطلع على المعارف التربوية الحديثة وأصولها، ورسمت خططي التربوية، والآن وقد وصلتِ إلى هذه المرحلة العمرية الحرجة، التي تتطلب أسلوباً آخر من أساليب التربية، والتي يخاطب فيها هذا العقل الذي يقود جسداً ستتفجر فيه طاقات هائلة وتحولات شتى، تحتاج إلي عقل رشيد يقودها إلي بر الأمان، أسأل الله العلي القدير أن يحفظك ويحفظ جميع بنات المسلمين، من شر الشيطان وكيده.

بنيتي العزيزة هذه رسالتي الأولي التي أخطها لك، وأنت تتخطين مرحلة الطفولة التي كنت أنا وأمك الغالية نعاملك فيها معاملة الأطفال، والآن نشعر نحوك بمشاعر الفرح، وأنت تتفتحين كوردة الصباح طرية ندية تحتاج ليد حنونة تأخذ بيدك إلي بر الأمان، ومجتمع المرحلة الوسطى يا بنيتي يختلف عن المرحلة الابتدائية، فقريناتك يأتين بمفاهيم شتى من بيئات مختلفة، وهن في مرحلة تكوين خطرة مع روح وثابة تتوق للانعتاق من مراقبة الأهل والمدرسة، فقط لتأكيد الذات، ولكن تطيش منهن بعض التصرفات، وقد تكون غريبة في نظرك وتتساءلين: لم كل هذه التصرفات الفالتة؟!  فاعلمي أن كل ذلك مرده لعدم مراقبة الذات، وبعدها عن الفطرة السليمة ومراقبة الله في كل التصرفات.

إن الرفقة واختيار الصالحات يا بنيتي هي طوق النجاة في مثل هذه البيئات، كما أن جماعة المصلى رفقة مأمونة تجمعك بالبنات الصالحات.
وقد تتعرضين للغمز واللمز من الطالبات، خاصة من رفيقات السوء، فالرد الجميل يلجم تلك الأفواه، ووردتنا الجميلة لابد أن يفوح عطرها رغم كل الظروف والأحوال، ويبقي عطرها في يد كل من امتد إليها، فمعاملة الناس بالخلق الحسن تجبر الآخرين لاحترامك وتقديرك، عكس الأخرى سيئة الخلق التي قد تخافين منها، ولكن احتقارها كامن في النفس، وهذه الفطرة السليمة التي تعاف كل خلق قبيح.
إنني عندما أنزلك أمام المدرسة كل صباح، أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، وأدعو لك بالتوفيق والسداد والحفظ، ويغمرني الفرح عندما تطلين من باب المدرسة في نهاية اليوم الدراسي، وأحمد الله على نعمائه وجزيل عطائه أن ردك إلي سالمة.
 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | cheap international voip calls | تعريب وتطوير : مدونة سامكو