د. عبد الرحمن حسان
الحضارة النوبية حضارة إنسانية عريقة
ساهمت بقدر فاعل في الحضارة الإنسانية، وللسوداني النوبي حضور مميز في الثقافة
السودانية، فهو السفير الشعبي الأول للسودانيين في بلاد المهجر وقد اختط للسودان
مساحة مميزة امتازت بالصدق والأمانة والشرف وحسن الخلق.
والحديث عن القامات النوبية يطول، ولكننا
نقف اليوم أمام قامة تربعت على مساحة واسعة في مجال الكتابة الصحفية، واختارت
لنفسها درباً وعراً لا يجاريه فيها إلا من ملك ناصية اللغة، وبرع في تطويعها؛ ليملك قلوب أحبائه بهذا الضرب
من الأدب الرفيع، و فارس هذا المضمار الفريد من الكتابة الصحفية هو جعفر عباس (
أبو الجعافر) الذي استطاع من خلال كتاباته الساخرة أن يفرض نفسه على الساحة
الأدبية ويؤثر في قلوب قرائه ومعجبيه.
نعم، تستريح مع مقالات أبي الجعافر من
هجير يومك بزاويتيه الرشيقتين حادة كانت أم منفرجة كثغره الباسم دوماً في وجه من
يلقاه أو يقرأ مقاله، فتنفرج أساريره من رشاقة عباراته وامتلاكه بمهارة فائقة
لناصية اللغة على أن اللغة العربية لم تكن اللغة الأولي التي نطق بها وتعلمها ــ
كما يحدث هو عن نفسه ــ إلا أنه يبهرك بحرفيته
في تطويع اللغة بالرغم من الجدية التي تسيطر على طرحه في أغلب الأحيان.
جعفر عباس معلم من الطراز الأول، أثرت فيه
هذه المهنة في حياته كلها فهو الصادق في كل حرف يكتبه، وكيف لا يصدق وهو معلم
الأجيال الذي حمل على عاتقه أمانة العلم قبل أمانة الكلمة و حمل في قلبه حب الخير
للناس، فحري به أن ينير الطريق للناس بكتاباته ويقول الحق مهما كانت الظروف، لذا
تميز جعفر عباس صحفياً وحق له أن يكون مسؤولاً عن جودة العمل الإعلامي من خلال
موقعه المتميز الذي يتبوأه وهو إدارة الجودة بقناة الجزيرة.
لقد ظهرت الحكمة النوبية في فكر جعفر
عباس، فكتب ساخراً ولكنه لم يجرح يوماً أحداً أو يحط من قدر أحد، و تفرد بالحكمة
وحسن الخلق كأسلافه من النوبيين الأوائل في بلاد المهجر الذين اختطوا للسودانيين
دروب الأمانة وصدق الكلمة.
فشكراً لأبي الجعافر لهذه المساحات الشاسعة
التي زرعها بحب الناس ليكون مثالاً يحتذى به في العمل الصحفي، نسأل الله أن يجعلها
خالصةً في ميزان حسناته.